الكبر والخيلاء - قصص حكاها النبي صلى الله عليه وسلم (2 ـ 4)



موعدنا اليوم يا أبنائي مع القصة الأولى من القصص التي حكاها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي قصة رجل رأى نفسه فوق الآخرين مالاً وجمالاً وحلّةً... مشى بين أقرانه مختالاً بثوبه النفيس، وشبابه الدافق حيويّة، وجيبه المليء المنتفخ مالاً، تفوح نرجسيّتُه وحبُّ ذاته في الطريقة التي يمشيها، فهو يمدّ صدره للأمام، ويفتح ما بين إبطيه، لا يكاد الطريق يسعُه.  يميل بوجهه إلى اليمين مرّة، وإلى اليسار أُخرى متعجّباً من جِدّة ثوبه، وغلاء ثمنه، يجر رداءَه خيَلاءَ(1)، يظن نفسه خيرَ مَن وطِئ الثرى.
 يكادُ لا يلمس الأرض من خفّته، يحسب أن العَظَمة إنما تكون بالمادّة والمظهر، ونسي أنها لا تكون إلا بحسن الأخلاق ونفاسة المخبَر، وغفَل عن قوله تعالى: "ولا تمْشِ في الأرض مَرَحاً، إنك لن تخرِق الأرضَ ولن تبلُغ الجبالَ طولاً" وتناسى أنه مخلوق ضعيف، أصلُه من طين، ومن سُلالة من ماء مَهين.
 تناسى أنّ أوّله نطفة مَذِرَةٌ، وآخرَه جيفةٌ قذرةٌ، وهو بينهما يحمل العَذَرةَ... وتناسى أنّه حين صعّر خدّه للناس غضب الله عليه، لأنه شارك الله في صفتين لا يرضاهما لغيره، حين قال تعالى: "العَظَمةُ إزاري، والكبرياءُ ردائي، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره ولا أُبالي" رواه أبو داود وصححه الألباني، بل تناسى كذلك أنه سيصير إلى قبره، حيث يأكله الدود في دار الوَحشة والظلمة، لا أنيس فيها سوى التقوى والتواضع.
 وغفَل أيضاً عن مصير الجبّارين المتغطرسين قبله. وقصّة قارون الذي خسف الله تعالى به الأرض قرآن يُتلى. وقد أخبرنا الرسول الكريم أن هذا الرجل المتكبر خسف الله به الأرض، فهو يغوصُ في مجاهلها من شِقٍّ إلى شقّ، ومن مَهوىً ضيّق على حفرة أعمقَ منها، ينزل فيها مضطرباً مندفعاً، تصدُر عن حركته أصواتٌ متتابعةٌ إلى يوم القيامة جزاءَ تعاظمه وتكبّره.. ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام "إنّ الله أوحى إليّ أنْ تَواضعوا، حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ"رواه أبو داود وصححه الألباني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
(1)     حديث من جر ثوبه خيلاء  لم ينظر الله له يوم القيامة، متفق على صحته، رواه البخاري ومسلم.


المصدر : موقع لها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق